رخيص وخفيف وصغير، هل تكفي هذه المواصفات لتحقيق نجاح كبير لفئة جديدة من الأجهزة؟
وليد عكاوى
تمثل الأجهزة الصغيرة الملقبة باسم نت بوكس مسيرة مميزة للنجاح والإبداع التقني. فهذه الأجهزة تصلح لقراءة الكتب الرقمية وتصفح الإنترنت ومعاينة الصور ومشاهدة الفيديو عدا عن الاستخدامات التقليدية للكمبيوتر.فمن ستغريه أجهزة مستقلة ومخصصة فقط لعرض الصور أو لقراءة الكتب حصرا عندما يتوفر جهاز صغير يتولى كل تلك المهام بسعر مذهل؟
ولكن تتوجس معظم شركات الكمبيوتر دون مبرر حقيقي، من ذكر الأجهزة المحمولة نت بوكس، وهي أصغر من الكمبيوتر الدفتري وتأتي بأسعار تتراوح بين 200 و 1000 دولار أو أقل أحيانا. بعض الشركات ترى أن هذه الأجهزة تؤثر على مبيعات الكمبيوتر الدفتري وحتى المكتبي دون أن تدرك أنها نجاح كبير في قطاع الكمبيوتر الذي لم يشهد أي ابتكار كبير منذ ظهور الشاشات المسطحة بالكريستال السائل. فالكمبيوتر كجهاز بقي كما هو منذ عقدين، صندوق بأحجام متفاوتة مع لوحة مفاتيح و ماوس إلى جانب الشاشة.وكذلك الحال مع الكمبيوتر الدفتري الذي لم يشهد أي ابتكار كبير في تصميمه الأساسي ما لم نعتبر أن تقديم كمبيوتر دفتري بشاشة ضخمة هو ابتكار متفوق رغم أن ذلك سيحول الكمبيوتر المحمول إلى مجرد كمبيوتر للترفيه مع تمتعه بقابلية للنقل بين غرف المنزل.وفي الأزمة الاقتصادية الحالية لا يوجد مبرر كبير لدفع 2000 دولار لترقية الجهاز الحالي بينما يمكن الحصول على جهاز نت بوك لقاء 400 دولار، فما المشكلة في ذلك؟بالطبع تخشى مايكروسوفت من هذه الأجهزة لأنها اضطرت لتقليص سعر فيستا وويندوز إكس بي لتنافس لينوكس في هذه الأجهزة الرخيصة، تخيلوا مثلا أن يكون سعر نظام التشغيل يعادل سعر الجهاز، سيفشل وقتها بالتأكيد. لا بد هنا أن أشير إلى أن تصاميم أجهزة نت بوك مثل أسوس إي بي سي ليست جديدة تماما فقد كانت هيوليت باكارد وتوشيبا تقدمان أجهزة بتصميم مشابه في أجهزة جورنادا من الأولى وليبريتو من الثانية، لكن أسعار هذه كانت أعلى بكثير من الكمبيوتر الدفتري وقتها، كما أنها لم تكن مصمم خصيصا لتصفح الإنترنت وإن كان ذلك متاحا فيها نوعا ما. لقد تغير مشهد قطاع الكمبيوتر ولا يزال في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية يخضع لتبدلات عديدة لكنها لا تشمل الشركات فقط، فمن هذه من ستختفي وأخرى ستعيد النظر بطريقة عملها، كما أن قنوات موزعي أجهزة الكمبيوتر التقليديين يجري استبدالهم بالمتاجر الاستهلاكية العادية وحتى متاجر الهاتف الجوال. ولكن هناك أيضا تبدل كبير في نوعية الطلب على الأجهزة. حيث لم تعد السرعة الأعلى والحجم الكبير هي العوامل الأهم في الكمبيوتر.فقد أدرك الكثيرون أن حاجاتهم واستخداماتهم في الكمبيوتر لا تستدعي أقصى سرعة متوفرة ولا أعلى أداء موجود، وما هو متوفر لديهم حاليا يفي بالغرض تماما. ولن يتغير ذلك ما لم يبرز استخدام وتطبيقات قوية جدا تستدعي الحصول على تحديث وترقية للأجهزة الموجودة حاليا.ويبدو أن شركات الكمبيوتر تخطط وتصمم أجهزتها استنادا إلى أسعار وأرباح تحددها مسبقا لها. لكن ذلك لا ينجح على الدوام. وعندما خططت شركات الكمبيوتر لأجهزة الكمبيوتر اللوحي Tablet PC وطرحتها في الأسواق كانت تنوي تأسيس فئة جديدة من الأجهزة لتلبي استخدامات محددة، وكان السعر المرتفع عائقا أمام نجاحها رغم إمكانياتها الواعدة. وانزوت هذه الفئة ليقتصر استخدامها حاليا على قطاعات محددة مثل بعض المستشفيات ومراكز الخدمات الصحية وقطاعات خاصة أخرى دون الاستخدام العام الذي صممت له.وعلى صعيد الكمبيوتر، فقد انتهت أساليب الاستخدام القديمة، فقد كانت هناك دورة مدتها سنتين يجري ترقية الكمبيوتر بعدها دوريا أو استبداله بجديد وكذلك كان الحال مع أنظمة التشغيل والبرامج. ولم تعد مواصفات مكونات الكمبيوتر تحتاج للترقية كما كان الحال سابقا. ومع ذلك ومع أجهزة نت بوك، تتمنع بعض الشركات عن تقديم منتجات تنافس في هذه الفئة الناجحة خوفا من نجاح تحرزه على حساب أجهزتها ذات السعر الأعلى.كما أن هناك شركات أخرى تتوجس من فئة نت بوكس نظرا لأن هوامش الربح فيها تبدو غير مغرية لها، دون أن تدرك أن استخدام أجهزة نت بوك يستدعي في أحيان كثيرة، توفر كمبيوتر بمواصفات عالية مع شاشات كبيرة في المنزل أو المكتب إلى جانب جهاز نت بوك.ويمكن لشركات الكمبيوتر أن تعتمد على أجهزة نت بوك لكسب ولاء الزبائن تحسبا لرغبتهم المحتملة في شراء كمبيوتر مكتبي أو دفتري بمواصفات عالية ليتكامل استخدامه مع جهاز نت بوك.ورغم أن الكثير من شركات الكمبيوتر تتفوق في نواح عديدة على شركة أسوس، إلا أن هذه الأخيرة نجحت في التحول إلى أهم قصة نجاح في قطاع الكمبيوتر بفضل فهمها لأحوال السوق وحاجات المستخدمين وتصميم منتجاتها إنطلاقا من ذلك.ويبقى التنافس في سوق أجهزة نت بوكس مفتوحا مع تميز شركات أخرى في أجهزة قوية من هذه الفئة مثل أجهزة شركة لينوفور وإم إس آي وغيرهما، ولذلك سيكون العام الحالي حافلا بصولات وجولات لهذه الأجهزة الصغيرة التي تلبي حاجة حوالي 90% من مستخدمي الكمبيوتر والإنترنت، الذين قد يحتاجون أيضا لأجهزة كمبيوتر كبيرة في البيت أو المكتب.أما الشرائح الأخرى من المستخدمين فتتنوع حاجاتهم لتطوير الرسوميات أو الألعاب أو توليد المحتوى الرقمي، ولذلك فالكمبيوترات المحمولة التي يسعون إليها ستبقى من الفئة العليا ذات المواصفات الأعلى.فمن المنطقي أن يستخدم الناس ذات الطراز في جهازين مختلفين لنقل البيانات والملفات بينهما ولأغراض عديدة أخرى مثل الحفظ الاحتياطي وما شابهه. هذا على الأقل ما تقوم به شركة آبل، فهاتف آي فون أو حتى جهاز آي بود يدفع بالكثيرين لشراء كمبيوتر ماك بوك "الدفتري" أو حتى ماك المكتبي، وبالتالي نظام تشغيل ماكنتوش، والمحصلة مكاسب لشركة أبل. ولذلك يصعب فهم مبررات الشركات التي لا تتقبل النجاح المفاجئ.فأبسط قواعد الأعمال هي ما يعرف بمبدأ العرض والطلب، وهي تستند إلى ذلك حتى أنها تدرس للأطفال والشباب على شكل بيت شعر أو أغنية بالإنكليزية ليسهل حفظها وهي:People's tastes change and so do I If I want to stay in business, I'd better complyوترجمتها الأقرب:"تتغير أذواق الناس وكذلك حالي، وإن كنت أسعى للنجاح فبامتثالي".