حروب الإنترنت في الطريق
الكاتب الكبير فهمي هويدي
لا أعرف ما إذا كنا سنعيش لنشهد حروب الإنترنت أم لا؟.
وإذا كتب لنا أن يمتد بنا العمر إلى ذلك العصر الذي لاحت بوادره في الأفق، فأتمنى ألا نبلغه ونحن بحالتنا هذه.
أعني، والغوغاء والمتعصبون والحمقى يمارسون نزقهم ويفرضون خطابهم ورؤاهم على المجتمع، بما يعرض مصالحه ومصائره للخطر.
وهو كلام أقوله من وحي الفتنة الراهنة، خصوصا بعدما سمعت من بعض العقلاء أن التراشق والتصعيد الحاصلين في العلاقات المصرية الجزائرية كان يمكن أن يصل إلى حد الاشتباك المسلح لو أن بينهما حدودا مشتركة، كما حدث يوما بين هندوراس والسلفادور في أمريكا اللاتينية، وكانت كرة القدم هي السبب أيضا.
ومن رأي هؤلاء ـ وأنا معهم ـ أن العناية الإلهية شاءت أن تتباعد بينهما المسافات، بحيث تكفلت الجغرافيا بفض الاشتباك بين الغوغاء في البلدين.
حروب الإنترنت القادمة تغلبت على المسافات وتجاوزت مشكلة الجغرافيا. إذ وفرت للمتقدمين تكنولوجيا ـ الذين نحمد الله حمدا كثيرا على أننا لسنا منهم ـ أساليب جديدة للاقتتال لم تخطر على بالنا يوما ما.
صحيح أن الخبراء تحدثوا عن وقوع تلك الحروب، ولكن كلامهم ظل يؤخذ على أنه من شطحات الخيال العلمي. وشأن تطورات أخرى كثيرة، فإن ما كان خيالا في الأمس تحول إلى حقائق اليوم،
آية ذلك أن خبراء مؤسسة «مكفي» للخدمات الأمنية في بريطانيا عكفوا على دراسة وتحليل الهجمات الأخيرة التي تعرضت لها شبكة الإنترنت، وأثبتت التحريات أن دوافعها سياسية.
وأفاد التقرير بأن عدة دول بدأت تعد العدة للتصدي لهذه الهجمات وشن أخرى مضادة عبر الإنترنت.
ونقل عن أحد المحللين الأمنيين في المؤسسة، اسمه جريج داي، قوله إن ثمة خمس دول على الأقل شرعت في تسليح نفسها وحشد إمكاناتها الفنية، استعدادا للتعامل مع هذا الصنف من الصراعات، وهذه الدول هي بريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين وكوريا الشمالية.
وذكر هذا الخبير أن لدى الولايات المتحدة كتيبا عمليا يفصل القواعد والإجراءات التي ينبغي الالتزام بها في حالة خوض حرب الإنترنت. ونوه في هذا الصدد إلى أن الأمريكيين استخدموا أساليب قرصنة أثناء حملتهم لغزو العراق.
أضاف داي أن ثمة أدلة على ارتفاع عدد الهجمات عبر الإنترنت، التي يمكن تصنيفها بحسبانها من قبيل عمليات «الاستكشاف» الممهد لصراعات المستقبل. وأن السهولة التي تتسم بها عملية تجميع الوسائل التي تخاض بها تلك الحروب مثيرة للقلق الشديد.
وأوضح صاحبنا أن خوض حرب ميدانية بالأساليب والأسلحة الحديثة المعروفة يتطلب بلايين الدولارات. ولكن حرب الإنترنت لا تحتاج إلى تلك المبالغ المهولة.
إضافة إلى ذلك فإن أهداف حروب الإنترنت المحتملة هي البنية التحتية للدولة المستهدفة، لأن الشبكة الإلكترونية أصبحت تمتزج بحياتنا اليومية أكثر فأكثر. في حين أن الأهداف في الحروب التقليدية محدودة وليست دائما بذلك الاتساع الذي يشمل بلدا بأكمله، فيدمر إمكاناته ويصيب الحياة فيه بالشلل.
على صعيد آخر، فإن الحرب عبر الإنترنت تتمخض عن مشاكل من نوع مختلف فيما يتعلق بتحديد المهاجمين.
ففي الحرب الميداينة من الممكن جدا أن تعرف السلاح الذي يستخدمه خصمك وكيف يستخدمه. لكن في عالم الإنترنت فإن هذه المهمة تصبح مستعصية للغاية.
جدير بالذكر أنه رغم أن البلدان المتقدمة بدأت تعي خطورة هذا النوع من الحروب، فإن إنشاء نظام دفاعي فعال للتعامل معها يحتاج إلى سنوات، في حين لا تتطلب هجمات الإنترنت من مدبريها سوى أشهر لتنظيمها وشنها.
للأسف، إن التقدم العلمي لا يقترن عادة بالتحضر أو التقدم الأخلاقي، بدليل أن الدولة الوحيدة التي استخدمت القنبلة الذرية لإبادة البشر هي الولايات المتحدة «الأكثر تقدما» لم تتردد في إلقائها على هيروشيما ونجازاكي أثناء الحرب العالمية الثانية، رغم علمها بأن اليابان كانت بصدد الاستسلام ولم تكن هناك ضرورة تستدعي ذلك.
أرجو إذ ما قدر لنا أن ندخل ذلك العصر أن تكون صراعات المنتخبين المصري والجزائري قد انتهت، أو أن تكون كرة القدم قد فقدت بريقها الذي أصاب البعض بالبلاهة والجنون.